خصائص النمو لطالبات المرحلة الثانوية
خصائص النمو العقلي والانفعالي
يتركز اهتمام الداعية على خصائص النمو العقلي لأهمية ذلك في الدعوة، ويتمثل ذلك في ثلاثة أبعاد:
1- معرفة الطالبة للعلوم الدينية، وأسس العلم الشرعي، والقدرة على تعلمها.
2- ارتفاع درجة وعي الطالبة لأهمية هذه المعرفة، وإدراكها لما تقتضيه من عمل بعد العلم، وما يتبع ذلك من انقياد واتباع لشرع الله أو إعراض عنه، وعاقبة الاتباع أو الإعراض.
3- نمو مستوى القدرات العقلية لدى الطالبة، والتي تحدد مستوى فهمها للأمور المعنوية والمجردة كالصدق والفضيلة والأمانة، وقدرتها على التعبير عن ذلك على هيئة سلوك ظاهر.
ويتميز النمو العقلي لدى طالبة المرحلة الثانوية بالعديد من المميزات، منها:
1)) ظهور الاتجاه الديني والتفكير في أمور الدين بصفة مستمرة، ومناقشة الآراء الدينية والجدل حول الموضوعات الدينية لدرجة التشكك فيها، أو الالتزام التام والتمسك بالدين، وتتميز آراء الطالبة وأفكارها في هذه الأمور بالتعصب والتمسك الشديد الذي يتوافق ويشبع رغبتها في إظهار رأيها وسط الآخرين.
ويعبر البعض عن هذه الفترة باليقظة الدينية العامة، ويلاحظ الأثر القوي للتنشئة الاجتماعية والعلمية للطالبة منذ الصغر في تحديد اتجاهها الديني سواء كان تحمسا للدين أو شكّا فيه[1].
2)) تحول طريقة التفكير من الطريقة المادية إلى الطريقة المعنوية، ومن التفكير الفردي إلى التفكير شبه الجماعي، ومن التوجه للخارج فقط إلى القدرة على تأمل الذات وما تحمل من مشاعر وأحاسيس، وتأمل المحيط الخارجي في نفس الوقت، ومن التفكير الآني إلى التفكير المستقبلي[2].
3)) التحول النوعي في القدرات العقلية، فالذكاء يستمر في النمو ولكن بصورة أبطأ من الطفولة، ويصل إلى اكتماله بعد سن الثامنة عشرة في الغالب، كما تزداد القدرات العقلية القدرة الميكانيكة، والقدرة التحليلية، والسرعة الإدراكية، والقدرة المنطقية الاستدلالية، والقدرة اللغوية[3].
4)) ظهور القدرة على التفكير المجرد، وهو: القدرة على القيام بالعمليات العقلية دون التقيد بالمحسوس، فتستطيع الطالبة التفكير في أمور افتراضية دون الحاجة إلى إجراء تجارب، وهذا يظهر عند حل المسائل والمشكلات، وتظهر آثار تحول نمط التفكير عن طريق التفكير في الأمور الجديدة التي لم يسبق لها التفكير بها من قبل كالكون والحياة والخلق، وكذلك طرح أسئلة لم تسألها من قبل وخاصة في الأمور الدينية، أو الأمور المحرجة للكبار[4].
5)) من الخصائص المهمة للنمو العقلي عند الفتاة المراهقة أنها مرحلة تكوين الاتجاهات واكتساب القيم، والمقصود بالاتجاه: الموقف العقلي الذي تتخذه الطالبة تجاه موضوع ما، بحيث يجعلها تسلك سلوكا واحدا تقريبا في المواقف المتشابهة، وتكمن أهمية ذلك أن المعلمة الداعية تتمكن من التنبؤ بسلوك طالباتها - إلى حد كبير - من خلال اتجاهاتهنّ، كما تكمن خطورته أن الاتجاه يجعل الطالبة انتقائية في إدراكها وتلقيها للمعلومات التي تؤيد ما لديها من اتجاهات دون تمييز للصحيح والخاطئ من هذه المعلومات، وهذا يؤكد ضرورة محاولة تكوين الاتجاهات الصحيحة لدى الطالبات قبل ترسخها في عقولهنّ[5].
6)) التفتح الذهني الذي يظهر على شكل الشغف بتعلم الجديد والعزوف عن القديم، والنقد لأفكار غيرها وأوضاعهم، بما في ذلك الأمور الاجتماعية والعادات والتقاليد، والمبالغة في تحليل الأمور عقليا، وإخضاع ما يُعد من المسلمات في الطفولة إلى التحليل والتفكير، الانتقال من القبول والتسليم الفوري إلى طلب الدليل المقنع قبل القبول والاستجابة.
7)) تتميز هذه الفترة بالحب الشديد للاطلاع والاستزادة من المعارف الجديدة، والتعلق بمن يقدم لهنّ هذه المعرفة، ومهمة المعلمة الداعية هنا : إشباع هذه الحاجة الغريزية وتهذيبها، مما ينتج سكون نفس الطالبة وطمأنينتها، وكذلك استثمارها كفرصة جيدة لتكوين قاعدة ثقافية علمية عامة، يقوم عليها بناء الطالبة العلمي والثقافي، كما يقوم عليها التخصص الذي تختاره وتميل إليه عند مواصلة تعليمها الجامعي.
خصائص النمو الانفعالي:
يعتبر هذا الجانب من خصائص النمو عند طالبة المرحلة الثانوية من أبرز الجوانب وأشدها لفتا للانتباه - باستثناء الجانب الجسمي -، وذلك لما يطرأ على الفتاة من تغيرات انفعالية ظاهرة، كوّنت لدى الكثير الانطباع بأنها مرحلة مشكلات وتصرفات غير سوية[6]، والحقيقة أن الفتاة المراهقة إذا لقيت الرعاية الملائمة والتوجيه السليم خلال مراهقتها المصحوبة بالتغيرات المتنوعة، وإذا نشأت في بيئة معتدلة نقية، أوصلها ذلك إلى درجة عالية من الاستقرار، وعاشت مراهقتها وشبابها بطريقة عادية خالية من الأزمات والانفعالات الشاذة.
ومن أبرز العوامل التي تؤثر في انفعالات الطالبة في المرحلة الثانوية، ما يأتي:
1- التغيرات الجسمية والعضوية التي تؤثر عليها، ومن أهمها النشاط الكبير الذي يحدث في غددها التناسلية.
2- التغيرات العقلية التي تؤثر بشكل قوي على استجاباتها الانفعالية، مثل مستوى ذكائها ومستوى إدراكها للمواقف المختلفة، وتمايز قدراتها العقلية، وزيادة قدرتها على التعلم وإدراك الأمور المعنوية والمجردة، واتساع آفاقها وخبراتها، وغير ذلك من التغيرات العقلية التي تؤثر في قدرتها على ضبط وتهذيب انفعالاتها.
3- التغيرات الطارئة على سلوكها وعلاقاتها الاجتماعية، مثل اهتمامها بمظهرها ومستقبلها، واتساع علاقاتها الاجتماعية.
4- الوسط الاجتماعي والاقتصادي والجو النفسي السائد في أسرتها ومدرستها، والثقافة التي تعيشها وتنهل منها، والمعايير والقيم التي تفرض عليها وتعيش بها.
5- بروز الدافع الديني عند الفتاة، مع إدراكها لمفاهيم الإسلام وقيمه، وبالتالي قوة إيمانها بالله تعالى.
6- المعاملة التي تتلقاها من والديها ومعلماتها ورفيقاتها، فهذه تكون عاملا مساعدا على تحقيق الاتزان الانفعالي إذا وجدت عندهم احترام شخصيتها، وفهم طبيعة المرحلة العمرية لديها، وفي المقابل تكون عامل هدم إذا قامت على تحقيرها وإذلالها، وعدم إتاحة الحرية والاستقلالية المناسبة لها[7].
ومن أهم خصائص النمو الانفعالي لطالبة المرحلة الثانوية ما يأتي:
1)) التذبذب العاطفي والتقلب المزاجي بسبب هشاشة الانفعالات، والقابلية والاستعداد لدى الفتاة للاستهواء، حيث يظهر على سلوكها الانفعالي سرعة الاستثارة، والرهافة والتهور وعدم تناسبها مع المثيرات، إضافة إلى ضعف قدرة التحكم فيها أو في درجتها وشدتها أو ما يطلق عليه: (الحساسية الانفعالية)، فتشعر الطالبة بالفرح الغامر لأمور بسيطة وتُظهر ذلك بشكل مبالغ فيه، كما أنها قد تحزن بشدة وتُعبر عن حزنها بالبكاء، وذلك لأن الطالبة تملك ما يملكه الكبار من المشاعر وأنواع الانفعالات، وتدرك الاستثارة العاطفية، مع ما يصاحب ذلك من تأثير للمتغيرات المتتابعة المرافقة لبلوغها، فهي من حيث النمو والنضج تعيش أوضاع وسمات جديدة عليها كل الجِدة، حيث لم تصقلها البيئة والخبرة أو تهذبها التجارب بعد، لذلك لا تستقر انفعالاتها، ولا تكون واقعية في التعبير عنها، فإذا غضبت اشتد غضبها وقد تلقي أو تحطّم ما في يدها، وإذا أحبت أسرفت وبالغت وهامت بمن تحب، بل توالي وتعادي من أجله، وهذا من مبررات تعلق الفتيات بالممثلات والفنانات والشخصيات المشهورة اللامعة بشكل مبالغ فيه[8].
2)) الذاتية، وتعني إعجاب المراهقة بنفسها واعتدادها به، واعتقادها بأنها محط أنظار الناس وبؤرة اهتمامهم، وأنهم ينظرون إليها ويتصورونها كما تنظر هي لنفسها وتتصورها، ويطلق البعض عليها: (ظاهرة خشبة المسرح أو المراقب الوهمي)، وهذا يدفع الطالبة لأن تكون مهتمة بمظهرها خاصة في المناسبات الاجتماعية، كما يجعلها ذات حساسية مرهفة لنقد الآخرين خاصة إذا شعرت بالخسارة وخيبة الأمل، ووجدت الذم بدلا من المدح، وتسفيه حالها عوضا عن الإشادة بها، وقد تصير لذلك ناقمة على من حولها ومتهمة للجميع بعدم فهمها وإدراك مشاعرها.
إن ذاتية المراهقة أحد الاعتبارات المهمة التي يجب ملاحظتها عند دعوة طالبة المرحلة الثانوية أو عند إرادة حل مشكلاتها، فقد تكون هي سبب ومنبع الاستجابة والقبول، أو تكون باعث الرفض والمواجهة أو العزلة والانطوائية، وربما أدى ذلك إلى الارتماء في أحضان رفقة السوء.
3)) تؤثر خاصية الذاتية لدى المراهقة في تبلور مفهومها لذاتها، واستقرار الفكرة التي تحملها عن نفسها، سواء في الجانب الإيجابي أم السلبي، حيث تكوّن هذه الرؤية لذاتها من خلال ردود أفعال الآخرين تجاهها ورأيهم فيها، وتظهر حكمة المعلمة الداعية في مدى استيعابها لأثر تغيير مفهوم الذات في تغيير السلوك، حيث إن كثرة لوم الطالبة وتحقيرها ومقارنتها بغيرها يحطم معنوياتها ولا يجدي في تحسين سلوكها السيئ بل يزيده سوءا، والعكس صحيح[9].
4)) شعور الطالبة بالتفرد والغيرية، حيث تشعر أن عندها من الأفكار والمشاعر والخبرات ما ليس لدى الآخرين، لأنها مختلفة عنهم، وقد أوضحت الدراسات بأن هذا الشعور يقوى خلال مرحلة المراهقة، بسبب ظهور قدرات ودوافع جديدة، فتظن المراهقة بأنها الوحيدة من نوعها، وأنها تمتلك من المشاعر ما لا يملكه غيرها، وهذا يؤدي إلى ضعف تقبلها للنصح بشكل عام، وإلى كثرة وقوع الأخطاء منها، إضافة إلى حرصها على إبراز انفعالاتها ومشاعرها أمام الآخرين عبر إشراكهم فيها، أو قيامها بتدوينها في مذكراتها وحفظها[10].
5)) النزعة الاستقلالية بشؤونها الخاصة، فهي تشعر بأنها كبيرة وناضجة بما يكفي للقيام بذلك، وتفسر أي تدخل في خصوصياتها بأنها لا تحتاج إلى تلك النصائح، وترفض أن تعامل كالصغار، وهذه النزعة تفسر الكثير من تصرفات الفتاة المراهقة حين ترفض الانصياع للأوامر التي كانت تطيعها سابقا، أو تعبيرها عن استقلاليتها بتصرفات تخالف مجتمعها سواء في المظهر أو الكلام أو تبنّيها لأفكار مخالفة للمحيطين بها رغم عدم إيمانها فعلا بهذه الأفكار.
إن سوء التعامل مع هذه النزعة وعدم احترام رأي المراهقة وإشعارها بالقبول والتقدير الاجتماعي؛ قد يقودها إلى التمرد على الجماعة المرجعية والسلطة التي تضبط سلوكها، كالوالدين والمعلمات والإدارة المدرسية، بل ربما دفعها إلى مخالفة الأوامر والتهكم والسخرية بهم، أو تشجيع وتأييد وموافقة من يقوم بمثل هذا التمرد على السلطة، وهذا يؤكد أهمية تحلي المعلمة الداعية لطالبات المرحلة الثانوية بالرفق أثناء دعوتها، وحسن تقديرها لهنّ واحترامهنّ، لأن هذا التعامل الحسن يؤدي إلى السلوك الصحيح بطريقة أكثر مما يؤدي إليه أسلوب التحقير والتهديد الذي يفضي إلى الدخول في حلقة التحدّي والعناد مع الطالبة المراهقة[11].
إن حسن رعاية المعلمة لخصائص النمو الانفعالي واستثمارها يقوم على معرفة الآثار الحسنة للسلوك الانفعالي واستثمارها، ومعرفة الآثار السيئة له وتحجيمها، وذلك بالأسلوب المناسب، حتى تستطيع توجيه هذه الانفعالات السليمة نحو الغايات المرجوة التي تحقق للطالبة الاستقرار الانفعالي والنفسي، وتدفعها نحو العمل والطموح وعلوّ الهمة والرغبة في الإنجاز والتميز والنجاح، مع القدرة على ضبط النفس وحسن التعامل مع الآخرين.
يتركز اهتمام الداعية على خصائص النمو العقلي لأهمية ذلك في الدعوة، ويتمثل ذلك في ثلاثة أبعاد:
1- معرفة الطالبة للعلوم الدينية، وأسس العلم الشرعي، والقدرة على تعلمها.
2- ارتفاع درجة وعي الطالبة لأهمية هذه المعرفة، وإدراكها لما تقتضيه من عمل بعد العلم، وما يتبع ذلك من انقياد واتباع لشرع الله أو إعراض عنه، وعاقبة الاتباع أو الإعراض.
3- نمو مستوى القدرات العقلية لدى الطالبة، والتي تحدد مستوى فهمها للأمور المعنوية والمجردة كالصدق والفضيلة والأمانة، وقدرتها على التعبير عن ذلك على هيئة سلوك ظاهر.
ويتميز النمو العقلي لدى طالبة المرحلة الثانوية بالعديد من المميزات، منها:
1)) ظهور الاتجاه الديني والتفكير في أمور الدين بصفة مستمرة، ومناقشة الآراء الدينية والجدل حول الموضوعات الدينية لدرجة التشكك فيها، أو الالتزام التام والتمسك بالدين، وتتميز آراء الطالبة وأفكارها في هذه الأمور بالتعصب والتمسك الشديد الذي يتوافق ويشبع رغبتها في إظهار رأيها وسط الآخرين.
ويعبر البعض عن هذه الفترة باليقظة الدينية العامة، ويلاحظ الأثر القوي للتنشئة الاجتماعية والعلمية للطالبة منذ الصغر في تحديد اتجاهها الديني سواء كان تحمسا للدين أو شكّا فيه[1].
2)) تحول طريقة التفكير من الطريقة المادية إلى الطريقة المعنوية، ومن التفكير الفردي إلى التفكير شبه الجماعي، ومن التوجه للخارج فقط إلى القدرة على تأمل الذات وما تحمل من مشاعر وأحاسيس، وتأمل المحيط الخارجي في نفس الوقت، ومن التفكير الآني إلى التفكير المستقبلي[2].
3)) التحول النوعي في القدرات العقلية، فالذكاء يستمر في النمو ولكن بصورة أبطأ من الطفولة، ويصل إلى اكتماله بعد سن الثامنة عشرة في الغالب، كما تزداد القدرات العقلية القدرة الميكانيكة، والقدرة التحليلية، والسرعة الإدراكية، والقدرة المنطقية الاستدلالية، والقدرة اللغوية[3].
4)) ظهور القدرة على التفكير المجرد، وهو: القدرة على القيام بالعمليات العقلية دون التقيد بالمحسوس، فتستطيع الطالبة التفكير في أمور افتراضية دون الحاجة إلى إجراء تجارب، وهذا يظهر عند حل المسائل والمشكلات، وتظهر آثار تحول نمط التفكير عن طريق التفكير في الأمور الجديدة التي لم يسبق لها التفكير بها من قبل كالكون والحياة والخلق، وكذلك طرح أسئلة لم تسألها من قبل وخاصة في الأمور الدينية، أو الأمور المحرجة للكبار[4].
5)) من الخصائص المهمة للنمو العقلي عند الفتاة المراهقة أنها مرحلة تكوين الاتجاهات واكتساب القيم، والمقصود بالاتجاه: الموقف العقلي الذي تتخذه الطالبة تجاه موضوع ما، بحيث يجعلها تسلك سلوكا واحدا تقريبا في المواقف المتشابهة، وتكمن أهمية ذلك أن المعلمة الداعية تتمكن من التنبؤ بسلوك طالباتها - إلى حد كبير - من خلال اتجاهاتهنّ، كما تكمن خطورته أن الاتجاه يجعل الطالبة انتقائية في إدراكها وتلقيها للمعلومات التي تؤيد ما لديها من اتجاهات دون تمييز للصحيح والخاطئ من هذه المعلومات، وهذا يؤكد ضرورة محاولة تكوين الاتجاهات الصحيحة لدى الطالبات قبل ترسخها في عقولهنّ[5].
6)) التفتح الذهني الذي يظهر على شكل الشغف بتعلم الجديد والعزوف عن القديم، والنقد لأفكار غيرها وأوضاعهم، بما في ذلك الأمور الاجتماعية والعادات والتقاليد، والمبالغة في تحليل الأمور عقليا، وإخضاع ما يُعد من المسلمات في الطفولة إلى التحليل والتفكير، الانتقال من القبول والتسليم الفوري إلى طلب الدليل المقنع قبل القبول والاستجابة.
7)) تتميز هذه الفترة بالحب الشديد للاطلاع والاستزادة من المعارف الجديدة، والتعلق بمن يقدم لهنّ هذه المعرفة، ومهمة المعلمة الداعية هنا : إشباع هذه الحاجة الغريزية وتهذيبها، مما ينتج سكون نفس الطالبة وطمأنينتها، وكذلك استثمارها كفرصة جيدة لتكوين قاعدة ثقافية علمية عامة، يقوم عليها بناء الطالبة العلمي والثقافي، كما يقوم عليها التخصص الذي تختاره وتميل إليه عند مواصلة تعليمها الجامعي.
خصائص النمو الانفعالي:
يعتبر هذا الجانب من خصائص النمو عند طالبة المرحلة الثانوية من أبرز الجوانب وأشدها لفتا للانتباه - باستثناء الجانب الجسمي -، وذلك لما يطرأ على الفتاة من تغيرات انفعالية ظاهرة، كوّنت لدى الكثير الانطباع بأنها مرحلة مشكلات وتصرفات غير سوية[6]، والحقيقة أن الفتاة المراهقة إذا لقيت الرعاية الملائمة والتوجيه السليم خلال مراهقتها المصحوبة بالتغيرات المتنوعة، وإذا نشأت في بيئة معتدلة نقية، أوصلها ذلك إلى درجة عالية من الاستقرار، وعاشت مراهقتها وشبابها بطريقة عادية خالية من الأزمات والانفعالات الشاذة.
ومن أبرز العوامل التي تؤثر في انفعالات الطالبة في المرحلة الثانوية، ما يأتي:
1- التغيرات الجسمية والعضوية التي تؤثر عليها، ومن أهمها النشاط الكبير الذي يحدث في غددها التناسلية.
2- التغيرات العقلية التي تؤثر بشكل قوي على استجاباتها الانفعالية، مثل مستوى ذكائها ومستوى إدراكها للمواقف المختلفة، وتمايز قدراتها العقلية، وزيادة قدرتها على التعلم وإدراك الأمور المعنوية والمجردة، واتساع آفاقها وخبراتها، وغير ذلك من التغيرات العقلية التي تؤثر في قدرتها على ضبط وتهذيب انفعالاتها.
3- التغيرات الطارئة على سلوكها وعلاقاتها الاجتماعية، مثل اهتمامها بمظهرها ومستقبلها، واتساع علاقاتها الاجتماعية.
4- الوسط الاجتماعي والاقتصادي والجو النفسي السائد في أسرتها ومدرستها، والثقافة التي تعيشها وتنهل منها، والمعايير والقيم التي تفرض عليها وتعيش بها.
5- بروز الدافع الديني عند الفتاة، مع إدراكها لمفاهيم الإسلام وقيمه، وبالتالي قوة إيمانها بالله تعالى.
6- المعاملة التي تتلقاها من والديها ومعلماتها ورفيقاتها، فهذه تكون عاملا مساعدا على تحقيق الاتزان الانفعالي إذا وجدت عندهم احترام شخصيتها، وفهم طبيعة المرحلة العمرية لديها، وفي المقابل تكون عامل هدم إذا قامت على تحقيرها وإذلالها، وعدم إتاحة الحرية والاستقلالية المناسبة لها[7].
ومن أهم خصائص النمو الانفعالي لطالبة المرحلة الثانوية ما يأتي:
1)) التذبذب العاطفي والتقلب المزاجي بسبب هشاشة الانفعالات، والقابلية والاستعداد لدى الفتاة للاستهواء، حيث يظهر على سلوكها الانفعالي سرعة الاستثارة، والرهافة والتهور وعدم تناسبها مع المثيرات، إضافة إلى ضعف قدرة التحكم فيها أو في درجتها وشدتها أو ما يطلق عليه: (الحساسية الانفعالية)، فتشعر الطالبة بالفرح الغامر لأمور بسيطة وتُظهر ذلك بشكل مبالغ فيه، كما أنها قد تحزن بشدة وتُعبر عن حزنها بالبكاء، وذلك لأن الطالبة تملك ما يملكه الكبار من المشاعر وأنواع الانفعالات، وتدرك الاستثارة العاطفية، مع ما يصاحب ذلك من تأثير للمتغيرات المتتابعة المرافقة لبلوغها، فهي من حيث النمو والنضج تعيش أوضاع وسمات جديدة عليها كل الجِدة، حيث لم تصقلها البيئة والخبرة أو تهذبها التجارب بعد، لذلك لا تستقر انفعالاتها، ولا تكون واقعية في التعبير عنها، فإذا غضبت اشتد غضبها وقد تلقي أو تحطّم ما في يدها، وإذا أحبت أسرفت وبالغت وهامت بمن تحب، بل توالي وتعادي من أجله، وهذا من مبررات تعلق الفتيات بالممثلات والفنانات والشخصيات المشهورة اللامعة بشكل مبالغ فيه[8].
2)) الذاتية، وتعني إعجاب المراهقة بنفسها واعتدادها به، واعتقادها بأنها محط أنظار الناس وبؤرة اهتمامهم، وأنهم ينظرون إليها ويتصورونها كما تنظر هي لنفسها وتتصورها، ويطلق البعض عليها: (ظاهرة خشبة المسرح أو المراقب الوهمي)، وهذا يدفع الطالبة لأن تكون مهتمة بمظهرها خاصة في المناسبات الاجتماعية، كما يجعلها ذات حساسية مرهفة لنقد الآخرين خاصة إذا شعرت بالخسارة وخيبة الأمل، ووجدت الذم بدلا من المدح، وتسفيه حالها عوضا عن الإشادة بها، وقد تصير لذلك ناقمة على من حولها ومتهمة للجميع بعدم فهمها وإدراك مشاعرها.
إن ذاتية المراهقة أحد الاعتبارات المهمة التي يجب ملاحظتها عند دعوة طالبة المرحلة الثانوية أو عند إرادة حل مشكلاتها، فقد تكون هي سبب ومنبع الاستجابة والقبول، أو تكون باعث الرفض والمواجهة أو العزلة والانطوائية، وربما أدى ذلك إلى الارتماء في أحضان رفقة السوء.
3)) تؤثر خاصية الذاتية لدى المراهقة في تبلور مفهومها لذاتها، واستقرار الفكرة التي تحملها عن نفسها، سواء في الجانب الإيجابي أم السلبي، حيث تكوّن هذه الرؤية لذاتها من خلال ردود أفعال الآخرين تجاهها ورأيهم فيها، وتظهر حكمة المعلمة الداعية في مدى استيعابها لأثر تغيير مفهوم الذات في تغيير السلوك، حيث إن كثرة لوم الطالبة وتحقيرها ومقارنتها بغيرها يحطم معنوياتها ولا يجدي في تحسين سلوكها السيئ بل يزيده سوءا، والعكس صحيح[9].
4)) شعور الطالبة بالتفرد والغيرية، حيث تشعر أن عندها من الأفكار والمشاعر والخبرات ما ليس لدى الآخرين، لأنها مختلفة عنهم، وقد أوضحت الدراسات بأن هذا الشعور يقوى خلال مرحلة المراهقة، بسبب ظهور قدرات ودوافع جديدة، فتظن المراهقة بأنها الوحيدة من نوعها، وأنها تمتلك من المشاعر ما لا يملكه غيرها، وهذا يؤدي إلى ضعف تقبلها للنصح بشكل عام، وإلى كثرة وقوع الأخطاء منها، إضافة إلى حرصها على إبراز انفعالاتها ومشاعرها أمام الآخرين عبر إشراكهم فيها، أو قيامها بتدوينها في مذكراتها وحفظها[10].
5)) النزعة الاستقلالية بشؤونها الخاصة، فهي تشعر بأنها كبيرة وناضجة بما يكفي للقيام بذلك، وتفسر أي تدخل في خصوصياتها بأنها لا تحتاج إلى تلك النصائح، وترفض أن تعامل كالصغار، وهذه النزعة تفسر الكثير من تصرفات الفتاة المراهقة حين ترفض الانصياع للأوامر التي كانت تطيعها سابقا، أو تعبيرها عن استقلاليتها بتصرفات تخالف مجتمعها سواء في المظهر أو الكلام أو تبنّيها لأفكار مخالفة للمحيطين بها رغم عدم إيمانها فعلا بهذه الأفكار.
إن سوء التعامل مع هذه النزعة وعدم احترام رأي المراهقة وإشعارها بالقبول والتقدير الاجتماعي؛ قد يقودها إلى التمرد على الجماعة المرجعية والسلطة التي تضبط سلوكها، كالوالدين والمعلمات والإدارة المدرسية، بل ربما دفعها إلى مخالفة الأوامر والتهكم والسخرية بهم، أو تشجيع وتأييد وموافقة من يقوم بمثل هذا التمرد على السلطة، وهذا يؤكد أهمية تحلي المعلمة الداعية لطالبات المرحلة الثانوية بالرفق أثناء دعوتها، وحسن تقديرها لهنّ واحترامهنّ، لأن هذا التعامل الحسن يؤدي إلى السلوك الصحيح بطريقة أكثر مما يؤدي إليه أسلوب التحقير والتهديد الذي يفضي إلى الدخول في حلقة التحدّي والعناد مع الطالبة المراهقة[11].
إن حسن رعاية المعلمة لخصائص النمو الانفعالي واستثمارها يقوم على معرفة الآثار الحسنة للسلوك الانفعالي واستثمارها، ومعرفة الآثار السيئة له وتحجيمها، وذلك بالأسلوب المناسب، حتى تستطيع توجيه هذه الانفعالات السليمة نحو الغايات المرجوة التي تحقق للطالبة الاستقرار الانفعالي والنفسي، وتدفعها نحو العمل والطموح وعلوّ الهمة والرغبة في الإنجاز والتميز والنجاح، مع القدرة على ضبط النفس وحسن التعامل مع الآخرين.
يصعب تحديد مراحل نمو الإنسان بشكل يتفق عليه علماء النفس
والتربية والدعوة، لأن مراحل النمو عبارة عن حلقات مترابطة مؤثرة في بعضها،
والتغيير فيها لا يحدث فجأة وإنما يتم الانتقال فيها بالتدريج، وهذا يختلف باختلاف
البيئات الاجتماعية، والفروق الفردية بين الأفراد، واتجاهات الدراسات الإنسانية،
وإنما يجتهد الجميع في وضع تقسيمات تعين على دراسة كل مرحلة مع ربطها بأبرز ما فيها
من سمات عامة ومظاهر مطردة[1].
والمرحلة التي تعيشها طالبة المرحلة الثانوية هي مرحلة الشباب والمراهقة، حيث يتراوح عمرها بين (15-21) سنة، وهذه السنين تقع بين مرحلتي المراهقة والشباب، فبداية مرحلة الشباب من الخامسة عشر وتمتد إلى الخامسة والعشرين[2] أو الثلاثين[3]، وقد جاء في فتح الباري عن معنى شاب: (هو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين... وقال النووي: الأصح المختار أن الشاب من بلغ ولم يتجاوز الثلاثين)[4]، أما المراهقة فهي مرحلة تمتد في العقد الثاني من حياة الفرد، من الثالثة عشر إلى التاسعة عشر تقريبا، أو قبل ذلك بعام أو عامين، أو بعد ذلك بعام أو عامين، أي بين (11-21)[5] سنة تقريبا.
وقد يكون من السهل تحديد بداية المراهقة، ولكن من الصعب تحديد نهايتها، ويرجع ذلك إلى أن بداية المراهقة تتحدد بالبلوغ الجنسي، بينما تتحدد نهايتها بالوصول إلى النضج في مظاهر النمو المختلفة، وهذا أمر يختلف باختلاف البيئات، فالمراهقة في مصطلح علم النفس تعني: الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والنضج، وتبدأ بالبلوغ وتنتهي بالرشد، فهي لهذا عملية حيوية عضوية في بدئها، وظاهرة اجتماعية في نهايتها[6].
وهناك من يقسم المراهقة إلى ثلاث مراحل ويجعل المراهقة الوسطى مقابلة للمرحلة الثانوية، ويرى أن (المراهقة الوسطى هي قلب مرحلة المراهقة، وفيها تتضح كل المظاهر المميزة لمرحلة المراهقة بصفة عامة)[7].
ومن الممكن اعتبار المراهقة بداية سن الشباب التي وجه لها الإسلام عناية خاصة وتكريما بالغا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ما بعث الله نبياً إلا شاباً، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾[8])[9]، وقد بعث نبينا - صلى الله عليه وسلم في سن الشباب وغالب من استجاب له كانوا شبابا[10].
ومن مظاهر عناية النبي - صلى الله عليه وسلم بالشباب خطابهم بهذه السمة، كما في قوله: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))[11].
ومنها تكليفهم بالأعمال المهمة الحساسة، كتأميره أسامة بن زيد رضي الله عنهما[12] على جيش عظيم لغزو الروم، وفيه كبار المهاجرين والأنصار[13].
والمتأمل في سيرته مع أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما؛ يجد أنها تزخر بمواقفه الدعوية التي تبرز عنايته - صلى الله عليه وسلم بها.
ويذهب كثير من علماء النفس - وخاصة الغربيين - إلى أن المراهقة هي مرحلة ثورة وتوتر ومشكلات، كما يذهب غالبيتهم إلى القول بأن النمو في المراهقة مضطرب إلى حد كبير، وغير متناسق، وإن اضطرابه هو أحد الأسباب الرئيسة في انفعاله وثورته، لذا يجب على المربين التغاضي عن هفوات المراهقين، واعتبارها تصرفات طبيعية، ريثما يجتازون هذه المرحلة، لأن المراهق كالمريض عندهم[14].
والإسلام يناقض هذا الرأي، فالحكمة الإلهية لجعلها مرحلة التكليف لا تتفق مع كونها فترة يفقد فيه الإنسان السيطرة على نفسه، أو يُغَض فيها الطرف عن أخطائه وتصرفاته، وبنظرة استقرائية لتاريخ المجتمعات الإسلامية في عهودها الأولى، تظهر نماذج رائعة لشباب تساموا نحو أعمال البطولة والجهاد والعبادة والعلم، مما يؤكد أن فترة المراهقة ليست فترة أزمات بالضرورة، بل هي طاقة دفاقة بناءة تهذبها الدعوة العقدية والسلوكية، وتسخرها لخير الإسلام والمسلمين.
وقد يصدق هذا الرأي بعض الشيء على البيئات التربوية التي يُنشأ فيها الطفل على الحرية بشكل مبالغ فيه، حيث لا قيود ولا حدود ولا نظام، فإذا راهق الطفل استمر تأثير هذه التنشئة على سلوكه، إذ إن تأثيرات تربية الوالدين لا تبدأ في مرحلة المراهقة، لكنها استمرار لما تلقاه المراهق في طفولته، أما في الإسلام فتربية الطفل على السلوك السوي والانضباط تبدأ منذ نعومة أظفاره - بل تبدأ عند اختيار أمه -، فيربى على أخلاق الإسلام وآدابه الاجتماعية، ويُدرب على بعض العبادات كالصلاة والصوم وغيرها، حتى إذا بلغ الحلم وأصبح مراهقا، لم يثُر على من يربيه ويضبط سلوكه من الأفراد والمجتمع.
و يذهب آخرون إلى أن مرحلة المراهقة وإن تميزت بالنمو الجسدي السريع، والانقلاب الكامل في كيان الفرد، إلا أن ذلك يأخذ طريقاً نمائياً موحداً تدريجياً متزناً متناسقاً، لا طريقاً عشوائياً، بل يسير النمو فيه بسرعة منتظمة بلا خلل أو اضطراب، وما المراهقة إلا مرحلة من مراحل العمر لها خصائصها ومميزاتها ومشكلاتها، شأنها شأن مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب والكهولة[15]، وإنما تتميز المراهقة بأنها طاقة متفجرة، وقدرات شبه متكاملة، ونشاط يفرض نفسه في الأسرة والبيئة، وإن لم يوجه ويستثمر بالأسلوب الأمثل، ضاعت تلك الطاقة والاستعداد بسبب الإهمال أو بسبب الطرق التربوية الخاطئة.
ونظرا لأن الدعوة إلى الله تتأثر بمظاهر النمو المتعددة التي تمر بها طالبة المرحلة الثانوية، لذلك فمن المهم توضيح خصائص نمو هذه المرحلة، وتتضح من خلال المطالب الآتية.
خصائص النمو الجسمي:
يحدث في فترة المراهقة تغييرات نمائية سريعة ومفاجئة في حجم الجسم وشكله، كما يحدث نمو سريع في الغدد التناسلية والخصائص الجسمية التي تميز النضج الجنسي، وهذه التغيرات تكون متماثلة متشابهة إلى حد كبير بين البنين والبنات، مع وجود خصائص نوعية لكل منهما، كنمو الأنسجة الدهنّية عند الإناث بصورة أكبر، مما يساعد على استدارة أجسادهنّ وإضفاء المظهر الأنثوي عليهنّ.
وهذه التغيرات تعزى عادة إلى حركة الهرمونات (وهي المواد الكيماوية التي تفرزها الغدد) وقيامها بالعديد من التأثيرات على جسم المراهقة، من أهمها نمو الجهاز التناسلي، حيث ينتج عند الإناث البويضات المخصبة، ويبدأ نزول الطمث[16].
ومن أهم خصائص النمو الجسمي لدى الفتاة المراهقة ما يأتي:
1)) تعد التغيرات الجسمية من أبرز مظاهر النمو في هذه المرحلة، حيث يزداد الطول والوزن زيادة سريعة، وتحدث تغيرات جسمية خارجية، كما تظهر تغيرات داخلية في وظائف أعضاء الجسم عند الطالبة، وهذه التغيرات تتصف بالسرعة في نمو العظام والعضلات بصورة ملفتة للمراهقة ومفاجئة لمحيطها الاجتماعي، كما تتميز بالجِدة، لأنه لم يسبق لها المرور بها من قبل، مثل بروز الشعر في مناطق معيّنة من الجسم وظهور الطمث وتغير هيئة الجسد، بصورة متقاربة ومتزامنة، فلا تحدث لجزء واحد فقط أو لعدة أجزاء في أوقات متباعدة، بل تحدث في فترة محدودة -ثلاث سنوات غالبا- تتصاحب فيها مظاهر نمو العظام مع زيادة الطول والوزن مع تغير الصوت.. [17] الخ.
2)) قد يحدث البلوغ في بداية المراهقة، وهو تحول الفتاة من كائن لا جنسي- غير قادرة على الإنجاب - إلى كائن جنسي - قادرة على الإنجاب -. وهذا يعني ازدياد الهرمونات الجنسية وبلوغها الذروة، يرافق ذلك ازدياد الدافع الجنسي الذي يعبر عنه بالتفكير في الأمور الجنسية، والميل والانجذاب للجنس الآخر، والإعجاب والارتياح والرغبة في التحدث معه[18]، وما قد يرافق ذلك من أحلام اليقظة، أو الميل إلى مشاهدة الأفلام وقراءة القصص ذات الطابع العاطفي.
3)) التأثر الكبير بهذه التغيرات الجسمية، حيث تشعر بعض الفتيات بالخجل عند مواجهة نظرات التعجب والاستغراب للتغيرات الجديدة، أو عند ظهور بعض التغيرات العضوية مثل انتشار بثور الشباب على الوجه، أو عدم التناسق بين أجزاء الجسم، مثل ظهور الأنف كبيرا بعض الشيء، أو عدم تناسق الأطراف مع الجذع، وحدوث الاختلال الحركي وفقد الاتزان عند المشي والجري وحمل الأشياء.
4)) شدة اهتمام الفتاة بجسمها وهيئتها، وحساسيتها الشديدة للنقد فيما يتعلق بشكلها ونمو جسمها، بسبب هذه التغيرات الشاملة لدى الفتاة المراهقة، الأمر الذي ينعكس على مفهومها لذاتها وعلى سلوكها الاجتماعي، وعلى علاقتها بالآخرين، ومقارنتها نفسها مع الآخرين.
5)) ازدياد حاجة الفتاة المراهقة إلى التكيف مع أبعاد جسمها الجديدة لتوازن حركتها، وكذلك ازدياد حاجتها للنوم والراحة والغذاء نظرًا لتغير حركة الهرمونات، وللنمو السريع والطاقة التي تصرفها في الأنشطة المختلفة[19].
والمرحلة التي تعيشها طالبة المرحلة الثانوية هي مرحلة الشباب والمراهقة، حيث يتراوح عمرها بين (15-21) سنة، وهذه السنين تقع بين مرحلتي المراهقة والشباب، فبداية مرحلة الشباب من الخامسة عشر وتمتد إلى الخامسة والعشرين[2] أو الثلاثين[3]، وقد جاء في فتح الباري عن معنى شاب: (هو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين... وقال النووي: الأصح المختار أن الشاب من بلغ ولم يتجاوز الثلاثين)[4]، أما المراهقة فهي مرحلة تمتد في العقد الثاني من حياة الفرد، من الثالثة عشر إلى التاسعة عشر تقريبا، أو قبل ذلك بعام أو عامين، أو بعد ذلك بعام أو عامين، أي بين (11-21)[5] سنة تقريبا.
وقد يكون من السهل تحديد بداية المراهقة، ولكن من الصعب تحديد نهايتها، ويرجع ذلك إلى أن بداية المراهقة تتحدد بالبلوغ الجنسي، بينما تتحدد نهايتها بالوصول إلى النضج في مظاهر النمو المختلفة، وهذا أمر يختلف باختلاف البيئات، فالمراهقة في مصطلح علم النفس تعني: الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والنضج، وتبدأ بالبلوغ وتنتهي بالرشد، فهي لهذا عملية حيوية عضوية في بدئها، وظاهرة اجتماعية في نهايتها[6].
وهناك من يقسم المراهقة إلى ثلاث مراحل ويجعل المراهقة الوسطى مقابلة للمرحلة الثانوية، ويرى أن (المراهقة الوسطى هي قلب مرحلة المراهقة، وفيها تتضح كل المظاهر المميزة لمرحلة المراهقة بصفة عامة)[7].
ومن الممكن اعتبار المراهقة بداية سن الشباب التي وجه لها الإسلام عناية خاصة وتكريما بالغا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ما بعث الله نبياً إلا شاباً، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾[8])[9]، وقد بعث نبينا - صلى الله عليه وسلم في سن الشباب وغالب من استجاب له كانوا شبابا[10].
ومن مظاهر عناية النبي - صلى الله عليه وسلم بالشباب خطابهم بهذه السمة، كما في قوله: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))[11].
ومنها تكليفهم بالأعمال المهمة الحساسة، كتأميره أسامة بن زيد رضي الله عنهما[12] على جيش عظيم لغزو الروم، وفيه كبار المهاجرين والأنصار[13].
والمتأمل في سيرته مع أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما؛ يجد أنها تزخر بمواقفه الدعوية التي تبرز عنايته - صلى الله عليه وسلم بها.
ويذهب كثير من علماء النفس - وخاصة الغربيين - إلى أن المراهقة هي مرحلة ثورة وتوتر ومشكلات، كما يذهب غالبيتهم إلى القول بأن النمو في المراهقة مضطرب إلى حد كبير، وغير متناسق، وإن اضطرابه هو أحد الأسباب الرئيسة في انفعاله وثورته، لذا يجب على المربين التغاضي عن هفوات المراهقين، واعتبارها تصرفات طبيعية، ريثما يجتازون هذه المرحلة، لأن المراهق كالمريض عندهم[14].
والإسلام يناقض هذا الرأي، فالحكمة الإلهية لجعلها مرحلة التكليف لا تتفق مع كونها فترة يفقد فيه الإنسان السيطرة على نفسه، أو يُغَض فيها الطرف عن أخطائه وتصرفاته، وبنظرة استقرائية لتاريخ المجتمعات الإسلامية في عهودها الأولى، تظهر نماذج رائعة لشباب تساموا نحو أعمال البطولة والجهاد والعبادة والعلم، مما يؤكد أن فترة المراهقة ليست فترة أزمات بالضرورة، بل هي طاقة دفاقة بناءة تهذبها الدعوة العقدية والسلوكية، وتسخرها لخير الإسلام والمسلمين.
وقد يصدق هذا الرأي بعض الشيء على البيئات التربوية التي يُنشأ فيها الطفل على الحرية بشكل مبالغ فيه، حيث لا قيود ولا حدود ولا نظام، فإذا راهق الطفل استمر تأثير هذه التنشئة على سلوكه، إذ إن تأثيرات تربية الوالدين لا تبدأ في مرحلة المراهقة، لكنها استمرار لما تلقاه المراهق في طفولته، أما في الإسلام فتربية الطفل على السلوك السوي والانضباط تبدأ منذ نعومة أظفاره - بل تبدأ عند اختيار أمه -، فيربى على أخلاق الإسلام وآدابه الاجتماعية، ويُدرب على بعض العبادات كالصلاة والصوم وغيرها، حتى إذا بلغ الحلم وأصبح مراهقا، لم يثُر على من يربيه ويضبط سلوكه من الأفراد والمجتمع.
و يذهب آخرون إلى أن مرحلة المراهقة وإن تميزت بالنمو الجسدي السريع، والانقلاب الكامل في كيان الفرد، إلا أن ذلك يأخذ طريقاً نمائياً موحداً تدريجياً متزناً متناسقاً، لا طريقاً عشوائياً، بل يسير النمو فيه بسرعة منتظمة بلا خلل أو اضطراب، وما المراهقة إلا مرحلة من مراحل العمر لها خصائصها ومميزاتها ومشكلاتها، شأنها شأن مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب والكهولة[15]، وإنما تتميز المراهقة بأنها طاقة متفجرة، وقدرات شبه متكاملة، ونشاط يفرض نفسه في الأسرة والبيئة، وإن لم يوجه ويستثمر بالأسلوب الأمثل، ضاعت تلك الطاقة والاستعداد بسبب الإهمال أو بسبب الطرق التربوية الخاطئة.
ونظرا لأن الدعوة إلى الله تتأثر بمظاهر النمو المتعددة التي تمر بها طالبة المرحلة الثانوية، لذلك فمن المهم توضيح خصائص نمو هذه المرحلة، وتتضح من خلال المطالب الآتية.
خصائص النمو الجسمي:
يحدث في فترة المراهقة تغييرات نمائية سريعة ومفاجئة في حجم الجسم وشكله، كما يحدث نمو سريع في الغدد التناسلية والخصائص الجسمية التي تميز النضج الجنسي، وهذه التغيرات تكون متماثلة متشابهة إلى حد كبير بين البنين والبنات، مع وجود خصائص نوعية لكل منهما، كنمو الأنسجة الدهنّية عند الإناث بصورة أكبر، مما يساعد على استدارة أجسادهنّ وإضفاء المظهر الأنثوي عليهنّ.
وهذه التغيرات تعزى عادة إلى حركة الهرمونات (وهي المواد الكيماوية التي تفرزها الغدد) وقيامها بالعديد من التأثيرات على جسم المراهقة، من أهمها نمو الجهاز التناسلي، حيث ينتج عند الإناث البويضات المخصبة، ويبدأ نزول الطمث[16].
ومن أهم خصائص النمو الجسمي لدى الفتاة المراهقة ما يأتي:
1)) تعد التغيرات الجسمية من أبرز مظاهر النمو في هذه المرحلة، حيث يزداد الطول والوزن زيادة سريعة، وتحدث تغيرات جسمية خارجية، كما تظهر تغيرات داخلية في وظائف أعضاء الجسم عند الطالبة، وهذه التغيرات تتصف بالسرعة في نمو العظام والعضلات بصورة ملفتة للمراهقة ومفاجئة لمحيطها الاجتماعي، كما تتميز بالجِدة، لأنه لم يسبق لها المرور بها من قبل، مثل بروز الشعر في مناطق معيّنة من الجسم وظهور الطمث وتغير هيئة الجسد، بصورة متقاربة ومتزامنة، فلا تحدث لجزء واحد فقط أو لعدة أجزاء في أوقات متباعدة، بل تحدث في فترة محدودة -ثلاث سنوات غالبا- تتصاحب فيها مظاهر نمو العظام مع زيادة الطول والوزن مع تغير الصوت.. [17] الخ.
2)) قد يحدث البلوغ في بداية المراهقة، وهو تحول الفتاة من كائن لا جنسي- غير قادرة على الإنجاب - إلى كائن جنسي - قادرة على الإنجاب -. وهذا يعني ازدياد الهرمونات الجنسية وبلوغها الذروة، يرافق ذلك ازدياد الدافع الجنسي الذي يعبر عنه بالتفكير في الأمور الجنسية، والميل والانجذاب للجنس الآخر، والإعجاب والارتياح والرغبة في التحدث معه[18]، وما قد يرافق ذلك من أحلام اليقظة، أو الميل إلى مشاهدة الأفلام وقراءة القصص ذات الطابع العاطفي.
3)) التأثر الكبير بهذه التغيرات الجسمية، حيث تشعر بعض الفتيات بالخجل عند مواجهة نظرات التعجب والاستغراب للتغيرات الجديدة، أو عند ظهور بعض التغيرات العضوية مثل انتشار بثور الشباب على الوجه، أو عدم التناسق بين أجزاء الجسم، مثل ظهور الأنف كبيرا بعض الشيء، أو عدم تناسق الأطراف مع الجذع، وحدوث الاختلال الحركي وفقد الاتزان عند المشي والجري وحمل الأشياء.
4)) شدة اهتمام الفتاة بجسمها وهيئتها، وحساسيتها الشديدة للنقد فيما يتعلق بشكلها ونمو جسمها، بسبب هذه التغيرات الشاملة لدى الفتاة المراهقة، الأمر الذي ينعكس على مفهومها لذاتها وعلى سلوكها الاجتماعي، وعلى علاقتها بالآخرين، ومقارنتها نفسها مع الآخرين.
5)) ازدياد حاجة الفتاة المراهقة إلى التكيف مع أبعاد جسمها الجديدة لتوازن حركتها، وكذلك ازدياد حاجتها للنوم والراحة والغذاء نظرًا لتغير حركة الهرمونات، وللنمو السريع والطاقة التي تصرفها في الأنشطة المختلفة[19].
تتأثر خصائص النمو الاجتماعي لمرحلة المراهقة تأثراً بالغاً
بالمراحل التي تسبقها، أي مرحلة المهد والطفولة كما تتأثر بخصائص النمو الجسمي
والعقلي والانفعالي عند الفرد.
والمقصود بخصائص النمو الاجتماعي: (العادات والقيم والاتجاهات الاجتماعية والعلاقات بالآخرين، أي ما يتصل بسلوك الإنسان، وطرق تعامله مع الآخرين، وأساليب التصرف في المواقف الاجتماعية المختلفة)[1].
ومن العوامل التي تؤثر في نمو طالبة المرحلة الثانوية الاجتماعي، فتسير بها قدما نحو النضج الذي تنشده، أو تحيد بها عن مسالك الرشد وتنأى بها عن النمو السوي ما يأتي:
1- الحالة الصحية والتكوين الجسمي:
فالطالبة تتأثر في سلوكها وعلاقاتها الاجتماعية - إلى حد كبير - بحالتها الصحية وتكوينها الجسمي، فإذا كان صحيحاً وخالياً من العيوب والعاهات ساعد ذلك على توسيع دائرة نشاطها وعلاقاتها الاجتماعية، وعلى زيادة ثقتها بنفسها وبغيرها، أما إذا كانت تعاني من المرض أو النقص الجسماني فإن حيويتها تقلّ وإمكانيتها للمشاركة الاجتماعية تتقلص، وقد تضعف ثقتها بنفسها وتعتريها المشاعر السلبية نحو نفسها ونحو المجتمع الذي تعيش فيه.
2- الأسرة:
فتتأثر بمدى العمق في علاقتها بوالديها وإخوتها وأهلها، وبالجو النفسي السائد فيها، وانسجام أفرادها مع بعضهم، فالشخصية السوية لا تنشأ إلا في جو تشيع فيه الثقة والوفاء والتآلف والاحترام والتوافق وعدم الاختلاف، أما الجو المضطرب فهو يسئ إلى المراهقة وينحو بها نحو الثورة والشذوذ.
3- المدرسة:
وهي المحضن التربوي الذي تعبره المراهقة من المنزل إلى المجتمع الواسع العريض، بما تقدمه لها من ألوان مختلفة من النشاط الاجتماعي، وما تهيؤه لها من الرفقة الملائمة.
4- جماعة النظائر:
التي تمثل وحدة متماسكة من رفيقات الطالبة، وتؤثر تأثيراً قوياً في سلوكها قد يفوق أثر البيت والمدرسة في هذه المرحلة من الحياة، لشعور الطالبة بالتفاهم المشترك بين أعضائها، ولأنها تبرز مواهبها وتدربها على المهارات الاجتماعية، كما أنها تشبع حاجتها للانتماء، وقد تسلك هذه الجماعة مسلكا حميدا وقد تسلك مسلكا سيئا، وفي كلتا الحالتين يكون تأثيرها كبيرا على نمو الطالبة الاجتماعي[2].
ويتصف نمو الطالبة الاجتماعي بخصائص رئيسة، تبدو في تآلف الطالبة مع الأفراد الآخرين، أو في نفورها منهم، وذلك كالآتي:
1)) التآلف مع الآخرين: ويُعبر عنه بمظاهر عدة:
أ- الثقة وتأكيد الذات عبر التخفف من سيطرة الأسرة والمدرسة وغيرها، وتأكيد الشخصية والمكانة، وحث الآخرين على الاعتراف لها بهذه المكانة.
ب- الخضوع لمجموعة الصديقات التي تتصف عادة بالتجانس بين أعضائها ومحدودية عددهنّ، وسيرها على نظام معين ومعايير مهمة عندهنّ، مع شدة التماسك بين أفرادها.
ج- البصيرة الاجتماعية وإدراك العلاقات القائمة بينها وبين الآخرين، وما تؤدي إليه من تفاعل بينهنّ، بحيث تتفهم حقوق الجماعة التي تعيش فيها، وتشعر بالمسؤولية تجاه هذه الجماعة، وكثيرا ما تعبر عن ذلك باشتراكها في المؤسسات الاجتماعية التي ترعى الفقراء والمحتاجين.
د- اتساع دائرة التفاعل الاجتماعي لدى الطالبة، حيث يقترب سلوكها من معايير المجتمع الذي تعيش فيه، الأمر الذي يجعلها تتعاون وتتفاعل مع الناس حولها في جوانب الحياة الاجتماعية المختلفة.
2)) جانب النفور من الآخرين:
وتهدف من خلاله إلى إقامة الحدود بين شخصيتها وبين الأفراد والجماعات التي في محيطها أو التي كانت تنتمي إليها، ومن مظاهر ذلك:
أ- التمرد والتحرر من السيطرة للشعور بالحيدة والاستقلال.
ب- التعصب لآرائها وأفكارها، ولمعايير جماعتها التي تنتسب لها، وهذا الأمر يخفّ بالتدريج كلما اقتربت من سن الرشد.
ج- المنافسة الفردية والجماعية، لأنها تحقق لها شعور الاستقلال والتفرد، وتساعدها على تكوين علاقات وصداقات مع أترابها، مما ينعكس على اعتبارها لذاتها ويدعم مركزها الاجتماعي.[3]
3)) ومن خصائص النمو الاجتماعي لطالبة المرحلة الثانوية ما يتعلق بموقفها من المعايير والقيم السائدة في مجتمعها، سواء في الأفكار والتوجهات أو الهيئات والمظاهر، حيث أظهرت الدراسات أن المراهقين يمرون بثلاث مراحل:
• مرحلة المسايرة التامة وعدم الحيدة عن هذه المعايير.
• مرحلة المخالفة للمعايير وذلك لإشعار نفسها والآخرين بالاستقلالية.
• مرحلة التوازن، حيث تساير ما تقتنع به، وتخالف ما لا تقتنع به[4].
إن تكامل جوانب النمو عند طالبة المرحلة الثانوية هو أساس التكليف وتحمّل المسؤولية، وما يليه من الجزاء المرتبط بالحرية وإرادة الاختيار لديها، وقد قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10] [5]، وواجب المعلمة الداعية يتلخص في العناية بملكات الطالبة وقدراتها، وميولها ومواهبها، وتمكينها من تنميتها وصقلها، حتى تصل بها إلى أقصى حد من السمو والانتفاع بها، مع مراعاة خصائص نموها المتنوعة، وعدم تكليفها بما لا تطيق، مع إشعارها بمسؤوليتها في خدمة دينها، وإتاحة الفرصة لها كي تتعود الضبط الذاتي ومراقبة الله تعالى، حتى تصبح قادرة على ضبط نوازعها وإخضاع ذاتها لقيم الإسلام السامية التي تدعى لها، وتجعلها معيارا لمواقفها الأخلاقية وتصرفاتها السلوكية.
والمقصود بخصائص النمو الاجتماعي: (العادات والقيم والاتجاهات الاجتماعية والعلاقات بالآخرين، أي ما يتصل بسلوك الإنسان، وطرق تعامله مع الآخرين، وأساليب التصرف في المواقف الاجتماعية المختلفة)[1].
ومن العوامل التي تؤثر في نمو طالبة المرحلة الثانوية الاجتماعي، فتسير بها قدما نحو النضج الذي تنشده، أو تحيد بها عن مسالك الرشد وتنأى بها عن النمو السوي ما يأتي:
1- الحالة الصحية والتكوين الجسمي:
فالطالبة تتأثر في سلوكها وعلاقاتها الاجتماعية - إلى حد كبير - بحالتها الصحية وتكوينها الجسمي، فإذا كان صحيحاً وخالياً من العيوب والعاهات ساعد ذلك على توسيع دائرة نشاطها وعلاقاتها الاجتماعية، وعلى زيادة ثقتها بنفسها وبغيرها، أما إذا كانت تعاني من المرض أو النقص الجسماني فإن حيويتها تقلّ وإمكانيتها للمشاركة الاجتماعية تتقلص، وقد تضعف ثقتها بنفسها وتعتريها المشاعر السلبية نحو نفسها ونحو المجتمع الذي تعيش فيه.
2- الأسرة:
فتتأثر بمدى العمق في علاقتها بوالديها وإخوتها وأهلها، وبالجو النفسي السائد فيها، وانسجام أفرادها مع بعضهم، فالشخصية السوية لا تنشأ إلا في جو تشيع فيه الثقة والوفاء والتآلف والاحترام والتوافق وعدم الاختلاف، أما الجو المضطرب فهو يسئ إلى المراهقة وينحو بها نحو الثورة والشذوذ.
3- المدرسة:
وهي المحضن التربوي الذي تعبره المراهقة من المنزل إلى المجتمع الواسع العريض، بما تقدمه لها من ألوان مختلفة من النشاط الاجتماعي، وما تهيؤه لها من الرفقة الملائمة.
4- جماعة النظائر:
التي تمثل وحدة متماسكة من رفيقات الطالبة، وتؤثر تأثيراً قوياً في سلوكها قد يفوق أثر البيت والمدرسة في هذه المرحلة من الحياة، لشعور الطالبة بالتفاهم المشترك بين أعضائها، ولأنها تبرز مواهبها وتدربها على المهارات الاجتماعية، كما أنها تشبع حاجتها للانتماء، وقد تسلك هذه الجماعة مسلكا حميدا وقد تسلك مسلكا سيئا، وفي كلتا الحالتين يكون تأثيرها كبيرا على نمو الطالبة الاجتماعي[2].
ويتصف نمو الطالبة الاجتماعي بخصائص رئيسة، تبدو في تآلف الطالبة مع الأفراد الآخرين، أو في نفورها منهم، وذلك كالآتي:
1)) التآلف مع الآخرين: ويُعبر عنه بمظاهر عدة:
أ- الثقة وتأكيد الذات عبر التخفف من سيطرة الأسرة والمدرسة وغيرها، وتأكيد الشخصية والمكانة، وحث الآخرين على الاعتراف لها بهذه المكانة.
ب- الخضوع لمجموعة الصديقات التي تتصف عادة بالتجانس بين أعضائها ومحدودية عددهنّ، وسيرها على نظام معين ومعايير مهمة عندهنّ، مع شدة التماسك بين أفرادها.
ج- البصيرة الاجتماعية وإدراك العلاقات القائمة بينها وبين الآخرين، وما تؤدي إليه من تفاعل بينهنّ، بحيث تتفهم حقوق الجماعة التي تعيش فيها، وتشعر بالمسؤولية تجاه هذه الجماعة، وكثيرا ما تعبر عن ذلك باشتراكها في المؤسسات الاجتماعية التي ترعى الفقراء والمحتاجين.
د- اتساع دائرة التفاعل الاجتماعي لدى الطالبة، حيث يقترب سلوكها من معايير المجتمع الذي تعيش فيه، الأمر الذي يجعلها تتعاون وتتفاعل مع الناس حولها في جوانب الحياة الاجتماعية المختلفة.
2)) جانب النفور من الآخرين:
وتهدف من خلاله إلى إقامة الحدود بين شخصيتها وبين الأفراد والجماعات التي في محيطها أو التي كانت تنتمي إليها، ومن مظاهر ذلك:
أ- التمرد والتحرر من السيطرة للشعور بالحيدة والاستقلال.
ب- التعصب لآرائها وأفكارها، ولمعايير جماعتها التي تنتسب لها، وهذا الأمر يخفّ بالتدريج كلما اقتربت من سن الرشد.
ج- المنافسة الفردية والجماعية، لأنها تحقق لها شعور الاستقلال والتفرد، وتساعدها على تكوين علاقات وصداقات مع أترابها، مما ينعكس على اعتبارها لذاتها ويدعم مركزها الاجتماعي.[3]
3)) ومن خصائص النمو الاجتماعي لطالبة المرحلة الثانوية ما يتعلق بموقفها من المعايير والقيم السائدة في مجتمعها، سواء في الأفكار والتوجهات أو الهيئات والمظاهر، حيث أظهرت الدراسات أن المراهقين يمرون بثلاث مراحل:
• مرحلة المسايرة التامة وعدم الحيدة عن هذه المعايير.
• مرحلة المخالفة للمعايير وذلك لإشعار نفسها والآخرين بالاستقلالية.
• مرحلة التوازن، حيث تساير ما تقتنع به، وتخالف ما لا تقتنع به[4].
إن تكامل جوانب النمو عند طالبة المرحلة الثانوية هو أساس التكليف وتحمّل المسؤولية، وما يليه من الجزاء المرتبط بالحرية وإرادة الاختيار لديها، وقد قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10] [5]، وواجب المعلمة الداعية يتلخص في العناية بملكات الطالبة وقدراتها، وميولها ومواهبها، وتمكينها من تنميتها وصقلها، حتى تصل بها إلى أقصى حد من السمو والانتفاع بها، مع مراعاة خصائص نموها المتنوعة، وعدم تكليفها بما لا تطيق، مع إشعارها بمسؤوليتها في خدمة دينها، وإتاحة الفرصة لها كي تتعود الضبط الذاتي ومراقبة الله تعالى، حتى تصبح قادرة على ضبط نوازعها وإخضاع ذاتها لقيم الإسلام السامية التي تدعى لها، وتجعلها معيارا لمواقفها الأخلاقية وتصرفاتها السلوكية.
تؤثر الحاجات النفسية في سلوك الطالبة تأثيراً
كبيراً، (بل إن الغالب في سلوك الفرد يكون موجّها بحاجاته النفسية المختلفة)[1]،
ومن أهم تلك الحاجات ما يأتي:
1)) الحاجة إلى الدين والعبادة:
إن حاجة الطالبة إلى الدين وعبادة الله أمر فطري ثابت، وهو ما تحسه في حالة الشعور بالافتقار لله والحاجة إليه لجلب الخير ودفع الضر، أو شعورها بالذنب أو الشدة والخطر والعجز، وحين تتوجه إلى خالقها لفك كربتها، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 63] [2] ، كما أن العبادات بأنواعها تعد من مصادر الإشباع الأساسية للحاجات النفسية عند الطالبات في المرحلة الثانوية[3].
وتختلف أهداف حاجة التدين حسب حالة الطالبة، فقد تتدين الطالبة حقيقة بإيمان نابع من داخلها، وقد تتدين في حالة من حالات الخوف والفقر والوقوع في المصيبة، كما أنها قد تبالغ في بعض الشعائر الدينية، وقد تفرط فيها، وذلك لما يعتري فترة المراهقة في بعض فتراتها من توجه للدين وميل للتفكير والتأمل والتساؤل عن قضايا الكون، إضافة إلى ما ينتابها من العواطف الجياشة، فهي كثيرة الخوف والرجاء، سريعة الشعور بالضعف والذنب، كثيرة اللجوء للعبادات والنوافل، وقد أشار العديد من الدراسات إلى هذا التوجه عند سن المراهقة، وبشكل خاص عند الفتيات[4]، وتتأكد الحاجة إلى التدين (وتمثل القيم الدينية والمثل العليا حين يجد فيها الشباب خلاصا من الأزمات النفسية التي تعتريه، وكبح الجماح بعض الشهوات التي يتعذر إشباعها)[5]، وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن المشكلات التي تقع في مجال الأخلاق والدين هي أكثر المجالات احتواء على المشكلات العميقة، ومنها: عدم المواظبة على الصلاة، الرغبة في القرب من الله، الرغبة في فهم الدين والقرآن أكثر، الخوف من عقاب الله[6].
ويدخل تحت حاجة الطالبة إلى التدين والعبادة حاجتها إلى القدوة الصالحة التي تحاكيها وتسير على نهجها وتساعدها على الالتزام بأخلاق الإسلام ومبادئه وقيمه، فمن الأمور المغروزة عند الإنسان رغبته في الاقتداء والمحاكاة بمن يعجب به ويحبه في كثير من عاداته وسلوكه وطريقته، وهذا لا يقتصر على تقليد السلوك الحسن بل يتعداه إلى أي سلوك منحرف مثير للإعجاب، وهذا يؤكد خطورة خلو مجتمع الطالبة من القدوات الصالحة.
2)) الحاجة إلى فهم النفس والشعور بقيمة الذات:
تشتد حاجة الطالبة إلى فهم نفسها، وما تملكه من مهارات واستعدادات وميول عقلية واجتماعية، ثم الحاجة إلى تنمية هذه المهارات والميول واستثمارها في أوقات الفراغ، ،وإلى الشعور بقيمة ذاتها، وهذا يساعدها على الشعور بأهميتها وقيمتها في المجتمع، فالطالبة تحتاج إلى المساعدة لتنمية هذا الشعور بقيمة الذات، حتى لا ينتابها الشعور بالنقص واحتقار الذات الذي يعد من أكبر عوامل هدم الشخصية.
ويدخل في شعور الطالبة بقيمة ذاتها فهمها للوظيفة المطلوبة منها، وقبولها لوظيفتها كامرأة لها شأنها ومسؤوليتها في المجتمع المسلم وزوجة وأم صالحة في المستقبل ، وحاجتها إلى إعداد نفسها لهذه الوظائف الاجتماعية المناسبة التي تنتظرها.
3)) الحاجة إلى الأمن:
والحاجة إلى الأمن والاطمئنان حاجة مهمة للإنسان عموما، وهي منّة الله تعالى التي أشار إليها في قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 4] [7]، كما أنها من الحاجات التي تمتد وتتأثر بتجارب وخبرات الطفولة، وتستمر باستمرار حياة الإنسان في مراهقته وشبابه وشيخوخته.
والطالبة في هذه المرحلة يزيد احتياجها إلى الأمن والاستقرار بسبب مرورها بالفترة الانتقالية في حياتها، بما فيها من تحولات عقلية ونفسية وانفعالية واجتماعية، فقد يعتريها الخوف والفزع في كثير من الأحيان، وتحتار في أمرها وفي صحة ما تتعامل به مع ربها ونفسها ومع من حولها، ومن مخاوفها التي تزداد فيها حاجتها للأمن، مثل الخوف من تحمل المسؤولية والنجاح أو الفشل في ذلك، أو الخوف من التحولات الجسدية والشكلية والفسيولوجية الطارئة على حجمها وهيئتها، أو الخوف من المواقف الاجتماعية ومواقف المواجهة والحوار بسبب قلة تجربتها وضعف خبرتها، وكذلك الخوف من المتغيرات العاطفية والانفعالية وتغير مشاعرها، ونظرة من حولها لها، وخاصة انفعالاتها التي تدور حول الجنس الآخر والتفكير في الزواج، والدوران بين القبول والرفض لمثيرات الغريزة الجنسية والعاطفية [8].
4)) الحاجة إلى الترويح والترفيه:
يحتاج الإنسان إلى الترويح والاستجمام، وهو (إدخال السرور على النفس، والتنفيس عنها، وتجديد نشاطها)[9]، فالمواظبة على الحزم والجد في كل الأحوال أمر شاق على نفس الطالبة، ويورثها الملل والضيق، لأن النفس مجبولة على المراوحة بين الأشياء، فالطالبة تنتقل من عمل إلى آخر، ومن قول إلى غيره، وتختلف فيما بين الجد والفكاهة، وتجد راحتها في عمل ما ترغب في القيام به، ولا تكاد تتقنه حتى تمله وتبحث عن عمل جديد غيره[10].
وقد راعى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الحاجة في تعامله مع أصحابه، يحكي حاله ابن مسعود رضي الله عنه فيقول: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا))[11]، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: يستفاد من الحديث (استحباب ترك مداومة الجد في العمل الصالح خشية الملال)[12].
كما أذن للحبشة أن يلعبوا في مسجده الشريف بحرابهم وسهامهم على عادتهم، وأذن لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالنظر إليهم مراعاة منه لحاجتها للترفيه، تقول رضي الله عنها: ((والله، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية حديثة السن، حريصة على اللهو)) [13] .
فعلى المعلمة الداعية أن تلبي حاجة الطالبة للترفيه بالعناية بالنشاط الترويحي الذي يرفّه عن نفس الطالبة، ويعينها على تحمل مشاق العمل والجد في حياتها، شريطة ألا تتعارض هذه الأنشطة الترويحية مع القيم والمبادئ الإسلامية ، أو أن يكون سبباً في انشغال الطالبة عن واجباتها وعباداتها.[14]
)) الحاجة إلى القبول:
(يُعد القبول مطلباً نفسياً واجتماعياً لا يستغني عنه الإنسان، فالفرد في وسط البيئة الأسرية والاجتماعية يسعى للحصول على الرضا والمحبة والتقدير من الآخرين، ويكره أن يستهين به الآخرون أو أن يحتقروه، ويحس بألم وضيق نفسي من جراء ذلك ويسعى لتلافيه ما استطاع)،[1] وقد نبّه الإسلام إلى ضرورة إنصاف الآخرين والاهتمام بهم وترك احتقارهم وانتقاصهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة))[2].
والطالبة حين تنتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة؛ تتمنى أن تصبح في مصاف الكبار، وترغب في التقدير والقبول من الآخرين، بما يتناسب مع مكانتها الجديدة، أما إذا كان التعامل معها عند أهلها ومدرستها ومجتمعها معاملة الأطفال، فإن هذا يشعرها بعدم التقدير والتقبل وربما أحست بالدونية، مما يحط من قدرها عند نفسها، ويوهمها بأنها منبوذة مرفوضة غير مرغوب فيها في مجتمع الكبار، أما إذا لاقت الاستحسان والاحترام والتقدير؛ فإن حاجتها للقبول تُشبع وتلبى، حين تشعر بأن لها وزنا وقيمة في المجتمع، مما يدفعها إلى تحسين نظرتها لمن حولها والاستجابة لهم والأخذ بتوجيهاتهم والتعامل معهم.
ومن المهم استثمار هذه الحاجة عند الطالبة في توجيهها للآداب الاجتماعية الإسلامية التي تكسبها القبول، وإكسابها الخبرة في إقامة العلاقات الصحيحة مع من حولها، وتدريبها على فنون التعامل والآداب الإسلامية حتى تصبح جزءاً من شخصيتها ومعاملاتها اليومية.
2)) الحاجة إلى تحقيق الاستقلال الشخصي والعاطفي:
ويتوقف إشباع هذه الحاجة على مدى تحقيق النضج الاجتماعي الكامل الذي لا مكان فيه للسلوك الطفولي، ولا الخوف من مواقف الحياة، أو من تحمل المسؤوليات الاجتماعية.
إن الفتاة التي تفشل في تحقيق استقلالها عن أبويها في هذه المرحلة ستظل معتمدة على غيرها، عاجزة عن تصريف أمورها عندما تصبح فتاة راشدة، بل إنها قد تفشل فيما بعد في حياتها الزوجية وفي علاقاتها الاجتماعية، وتلبية هذه الحاجة لا يعني ترك الحبل على الغارب وعدم الضبط، ولكن يكون بإعطائها شيئا من الحرية في إدارة شؤونها الخاصة، وفي اتخاذ القرارات المتصلة بحياتها، واعتمادها على نفسها وتحمل نتائج أعمالها الخاصة[3].
وتنبع حاجة الطالبة في مرحلة المراهقة إلى الاستقلال وتحمل المسؤولية والعمل؛ بسبب التغيرات النوعية التي تطرأ عليها في جوانب شخصيتها العقلية والنفسية والاجتماعية والعضوية، مما يجعلها إنساناً كاملاً مسؤولاً ومكلّفاً من الناحية الشرعية أي أنها مخاطبة بالأوامر والنواهي ومحاسبة عليها، فمن الناحية العقلية فهي تتصف بالتميز والاتساع المعرفي والقدرة على التفكير التصوري والمعنوي، و من الناحية النفسية فتفكيرها يدور حول قيمتها وقدرها وذاتها عند نفسها وعند الآخرين، ونظرتهم لحقيقة شخصيتها.
أما الناحية العضوية فإن التغيرات الجسمية تلحّ عليها للتفتيش عن مهام ووظائف جديدة تعلن من خلالها تحولها من الطفولة إلى النضج الأنثوي، وتعلن استعدادها للمسؤوليات والمهمات الجديدة[4].
إن حاجة الطالبة إلى الاستقلال وتأكيد الذات تتأثر كثيرا بحاجة أخرى وهي حاجتها للإنجاز والنجاح في حياتها وأعمالها، حيث يكون التأثر بين الحاجتين متبادلا وطرديا، فكلما أثبتت الفتاة استقلالها وقدرتها في تحمل مسؤولياتها واتخاذ قراراتها؛ كلما دفعها هذا للنجاح والإنجاز أكثر، أما إذا لم تشبع الفتاة هذه الحاجة فإن هذا سيؤدي بها إلى الإخفاق والفشل، لأن النجاح يؤدي إلى النجاح، والفشل يؤدي إلى زيادة الإخفاق والفشل.
3)) الحاجة إلى الزواج:
يمثل الزواج للمرأة حاجة فطرية أصيلة في عمق كيانها الأنثوي، تحقق لها الاستقرار النفسي، كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13] [5]، وطريقة إشباع هذه الحاجة يرتبط بشكل كبير بالقيم الدينية والعادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، وقد أثبتت بعض الدراسات الميدانية أن الدين وحسن الخلق وطاعة الزوج والتمسك بالتقاليد المتعارف عليها، من أهم صفات الفتيات المرغبِّة للشباب في الزواج منهنّ[6].
وهذه الحاجة تُشبع من خلالها أربع حاجات مترابطة متداخلة هي: الحاجة إلى السكن النفسي بالزواج والشعور بالمودة والرحمة، والحاجة إلى الشعور بالنوع وتحقيقه حيث تشعر الفتاة بأنوثتها وبما تحمله من مظاهر جمال ورقة ونعومة، والحاجة إلى الإشباع الغريزي حيث إن الزواج يحقق (تحصين الشباب من الجنسين، ووقايتهم من شرور غريزة الجنس وهيجانها، ووقايتهم من الفتن التي جدت واستحدثت أساليبها عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ من قنوات مسموعة ومرئية ومقروءة وغيرها، حتى قلّ من يسلم من آثار هذا التفاعل الإعلامي الواسع المدى، وحتى غدت هذه الفتنة جزءا أساسيا من حياة كثير من الشباب المسلم، إلى درجة أن كثيرا من صغار الشباب يدركون من أسرار النكاح ودقائقه ما لم يدركه شباب الجيل الماضي إلا بعد تطاول العمر وتقدم السنين)[7].
وكذلك يُشبع الحاجة إلى تحقيق التكامل بالزواج، حيث إن شعور المرأة والرجل لا يكمله إلا الزواج، وهذا أمر فطري وسنة نفسية تكمن في أصل تكوين الإنسان[8].
4)) الحاجة إلى الرفقة:
إن الحاجة إلى الرفقة أمر لا ينفك عنه تاريخ الإنسان لأنه اجتماعي بطبعه، والتعارف بين الناس يحقق مصالح عظيمة، قال تعالى: ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾[9]، وقد حث الإسلام على إشباع هذه الحاجة وضبطها بالصحبة الصالحة المؤثرة إيجابيا في المجتمع، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))[10].
إن حاجة الطالبة إلى تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية غنية ناجحة مع رفاق سنها؛ له أثر كبير في حياتها النفسية والاجتماعية والثقافية، وتشير الدراسات إلى أن المدرسة والرفقة والجماعات خارج المدرسة تعتبران من أكثر المصادر إشباعا لحاجة الطالبات النفسية - إلى جانب الأسرة والعبادات -[11]، لذلك باتت هذه الصداقات والعلاقات ضرورية لتحقق تكيف الفتاة النفسي ونموها الاجتماعي الصحيح.
أما عدم تلبية وإشباع هذه الحاجة فإنه يؤدي إلى انطواء الفتاة على نفسها، وشعورها بالعزلة والقلق وعدم الأمن، لأن (الرفقة مطلب نفسي لا يستغني عنه الإنسان، وخصوصا في مرحلة المراهقة، وبوجود الرفقة المنسجمة يتم قضاء الأوقات وتبادل الآراء والخبرات، وبث الآمال والتشارك في الأحاسيس والمشاعر، وتقوم الرفقة في كثير من الأحيان بإعطاء الرأي وبلورة الفكر ووضع الخطة وتنفيذها، فهي ليست محضن شعوري ونفسي فقط؛ بل هي أيضا ذات بعد عملي وتنفيذي في حياة الشباب)[12].
ومما يزيد من أثر الرفقة على الطالبة الترابط القوي بين أفرادها وما تتميز به من حرية اختيار الرفيقات وانتقاء الصديقات حسب الرغبة والميول، كما تتميز - غالباً - بالانسجام والتشابه في الطبائع والأحاسيس والاتجاهات، والتقارب في العمر والخبرات المكتسبة.
1)) الحاجة إلى الدين والعبادة:
إن حاجة الطالبة إلى الدين وعبادة الله أمر فطري ثابت، وهو ما تحسه في حالة الشعور بالافتقار لله والحاجة إليه لجلب الخير ودفع الضر، أو شعورها بالذنب أو الشدة والخطر والعجز، وحين تتوجه إلى خالقها لفك كربتها، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 63] [2] ، كما أن العبادات بأنواعها تعد من مصادر الإشباع الأساسية للحاجات النفسية عند الطالبات في المرحلة الثانوية[3].
وتختلف أهداف حاجة التدين حسب حالة الطالبة، فقد تتدين الطالبة حقيقة بإيمان نابع من داخلها، وقد تتدين في حالة من حالات الخوف والفقر والوقوع في المصيبة، كما أنها قد تبالغ في بعض الشعائر الدينية، وقد تفرط فيها، وذلك لما يعتري فترة المراهقة في بعض فتراتها من توجه للدين وميل للتفكير والتأمل والتساؤل عن قضايا الكون، إضافة إلى ما ينتابها من العواطف الجياشة، فهي كثيرة الخوف والرجاء، سريعة الشعور بالضعف والذنب، كثيرة اللجوء للعبادات والنوافل، وقد أشار العديد من الدراسات إلى هذا التوجه عند سن المراهقة، وبشكل خاص عند الفتيات[4]، وتتأكد الحاجة إلى التدين (وتمثل القيم الدينية والمثل العليا حين يجد فيها الشباب خلاصا من الأزمات النفسية التي تعتريه، وكبح الجماح بعض الشهوات التي يتعذر إشباعها)[5]، وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن المشكلات التي تقع في مجال الأخلاق والدين هي أكثر المجالات احتواء على المشكلات العميقة، ومنها: عدم المواظبة على الصلاة، الرغبة في القرب من الله، الرغبة في فهم الدين والقرآن أكثر، الخوف من عقاب الله[6].
ويدخل تحت حاجة الطالبة إلى التدين والعبادة حاجتها إلى القدوة الصالحة التي تحاكيها وتسير على نهجها وتساعدها على الالتزام بأخلاق الإسلام ومبادئه وقيمه، فمن الأمور المغروزة عند الإنسان رغبته في الاقتداء والمحاكاة بمن يعجب به ويحبه في كثير من عاداته وسلوكه وطريقته، وهذا لا يقتصر على تقليد السلوك الحسن بل يتعداه إلى أي سلوك منحرف مثير للإعجاب، وهذا يؤكد خطورة خلو مجتمع الطالبة من القدوات الصالحة.
2)) الحاجة إلى فهم النفس والشعور بقيمة الذات:
تشتد حاجة الطالبة إلى فهم نفسها، وما تملكه من مهارات واستعدادات وميول عقلية واجتماعية، ثم الحاجة إلى تنمية هذه المهارات والميول واستثمارها في أوقات الفراغ، ،وإلى الشعور بقيمة ذاتها، وهذا يساعدها على الشعور بأهميتها وقيمتها في المجتمع، فالطالبة تحتاج إلى المساعدة لتنمية هذا الشعور بقيمة الذات، حتى لا ينتابها الشعور بالنقص واحتقار الذات الذي يعد من أكبر عوامل هدم الشخصية.
ويدخل في شعور الطالبة بقيمة ذاتها فهمها للوظيفة المطلوبة منها، وقبولها لوظيفتها كامرأة لها شأنها ومسؤوليتها في المجتمع المسلم وزوجة وأم صالحة في المستقبل ، وحاجتها إلى إعداد نفسها لهذه الوظائف الاجتماعية المناسبة التي تنتظرها.
3)) الحاجة إلى الأمن:
والحاجة إلى الأمن والاطمئنان حاجة مهمة للإنسان عموما، وهي منّة الله تعالى التي أشار إليها في قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 4] [7]، كما أنها من الحاجات التي تمتد وتتأثر بتجارب وخبرات الطفولة، وتستمر باستمرار حياة الإنسان في مراهقته وشبابه وشيخوخته.
والطالبة في هذه المرحلة يزيد احتياجها إلى الأمن والاستقرار بسبب مرورها بالفترة الانتقالية في حياتها، بما فيها من تحولات عقلية ونفسية وانفعالية واجتماعية، فقد يعتريها الخوف والفزع في كثير من الأحيان، وتحتار في أمرها وفي صحة ما تتعامل به مع ربها ونفسها ومع من حولها، ومن مخاوفها التي تزداد فيها حاجتها للأمن، مثل الخوف من تحمل المسؤولية والنجاح أو الفشل في ذلك، أو الخوف من التحولات الجسدية والشكلية والفسيولوجية الطارئة على حجمها وهيئتها، أو الخوف من المواقف الاجتماعية ومواقف المواجهة والحوار بسبب قلة تجربتها وضعف خبرتها، وكذلك الخوف من المتغيرات العاطفية والانفعالية وتغير مشاعرها، ونظرة من حولها لها، وخاصة انفعالاتها التي تدور حول الجنس الآخر والتفكير في الزواج، والدوران بين القبول والرفض لمثيرات الغريزة الجنسية والعاطفية [8].
4)) الحاجة إلى الترويح والترفيه:
يحتاج الإنسان إلى الترويح والاستجمام، وهو (إدخال السرور على النفس، والتنفيس عنها، وتجديد نشاطها)[9]، فالمواظبة على الحزم والجد في كل الأحوال أمر شاق على نفس الطالبة، ويورثها الملل والضيق، لأن النفس مجبولة على المراوحة بين الأشياء، فالطالبة تنتقل من عمل إلى آخر، ومن قول إلى غيره، وتختلف فيما بين الجد والفكاهة، وتجد راحتها في عمل ما ترغب في القيام به، ولا تكاد تتقنه حتى تمله وتبحث عن عمل جديد غيره[10].
وقد راعى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الحاجة في تعامله مع أصحابه، يحكي حاله ابن مسعود رضي الله عنه فيقول: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا))[11]، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: يستفاد من الحديث (استحباب ترك مداومة الجد في العمل الصالح خشية الملال)[12].
كما أذن للحبشة أن يلعبوا في مسجده الشريف بحرابهم وسهامهم على عادتهم، وأذن لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالنظر إليهم مراعاة منه لحاجتها للترفيه، تقول رضي الله عنها: ((والله، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية حديثة السن، حريصة على اللهو)) [13] .
فعلى المعلمة الداعية أن تلبي حاجة الطالبة للترفيه بالعناية بالنشاط الترويحي الذي يرفّه عن نفس الطالبة، ويعينها على تحمل مشاق العمل والجد في حياتها، شريطة ألا تتعارض هذه الأنشطة الترويحية مع القيم والمبادئ الإسلامية ، أو أن يكون سبباً في انشغال الطالبة عن واجباتها وعباداتها.[14]
)) الحاجة إلى القبول:
(يُعد القبول مطلباً نفسياً واجتماعياً لا يستغني عنه الإنسان، فالفرد في وسط البيئة الأسرية والاجتماعية يسعى للحصول على الرضا والمحبة والتقدير من الآخرين، ويكره أن يستهين به الآخرون أو أن يحتقروه، ويحس بألم وضيق نفسي من جراء ذلك ويسعى لتلافيه ما استطاع)،[1] وقد نبّه الإسلام إلى ضرورة إنصاف الآخرين والاهتمام بهم وترك احتقارهم وانتقاصهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة))[2].
والطالبة حين تنتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة؛ تتمنى أن تصبح في مصاف الكبار، وترغب في التقدير والقبول من الآخرين، بما يتناسب مع مكانتها الجديدة، أما إذا كان التعامل معها عند أهلها ومدرستها ومجتمعها معاملة الأطفال، فإن هذا يشعرها بعدم التقدير والتقبل وربما أحست بالدونية، مما يحط من قدرها عند نفسها، ويوهمها بأنها منبوذة مرفوضة غير مرغوب فيها في مجتمع الكبار، أما إذا لاقت الاستحسان والاحترام والتقدير؛ فإن حاجتها للقبول تُشبع وتلبى، حين تشعر بأن لها وزنا وقيمة في المجتمع، مما يدفعها إلى تحسين نظرتها لمن حولها والاستجابة لهم والأخذ بتوجيهاتهم والتعامل معهم.
ومن المهم استثمار هذه الحاجة عند الطالبة في توجيهها للآداب الاجتماعية الإسلامية التي تكسبها القبول، وإكسابها الخبرة في إقامة العلاقات الصحيحة مع من حولها، وتدريبها على فنون التعامل والآداب الإسلامية حتى تصبح جزءاً من شخصيتها ومعاملاتها اليومية.
2)) الحاجة إلى تحقيق الاستقلال الشخصي والعاطفي:
ويتوقف إشباع هذه الحاجة على مدى تحقيق النضج الاجتماعي الكامل الذي لا مكان فيه للسلوك الطفولي، ولا الخوف من مواقف الحياة، أو من تحمل المسؤوليات الاجتماعية.
إن الفتاة التي تفشل في تحقيق استقلالها عن أبويها في هذه المرحلة ستظل معتمدة على غيرها، عاجزة عن تصريف أمورها عندما تصبح فتاة راشدة، بل إنها قد تفشل فيما بعد في حياتها الزوجية وفي علاقاتها الاجتماعية، وتلبية هذه الحاجة لا يعني ترك الحبل على الغارب وعدم الضبط، ولكن يكون بإعطائها شيئا من الحرية في إدارة شؤونها الخاصة، وفي اتخاذ القرارات المتصلة بحياتها، واعتمادها على نفسها وتحمل نتائج أعمالها الخاصة[3].
وتنبع حاجة الطالبة في مرحلة المراهقة إلى الاستقلال وتحمل المسؤولية والعمل؛ بسبب التغيرات النوعية التي تطرأ عليها في جوانب شخصيتها العقلية والنفسية والاجتماعية والعضوية، مما يجعلها إنساناً كاملاً مسؤولاً ومكلّفاً من الناحية الشرعية أي أنها مخاطبة بالأوامر والنواهي ومحاسبة عليها، فمن الناحية العقلية فهي تتصف بالتميز والاتساع المعرفي والقدرة على التفكير التصوري والمعنوي، و من الناحية النفسية فتفكيرها يدور حول قيمتها وقدرها وذاتها عند نفسها وعند الآخرين، ونظرتهم لحقيقة شخصيتها.
أما الناحية العضوية فإن التغيرات الجسمية تلحّ عليها للتفتيش عن مهام ووظائف جديدة تعلن من خلالها تحولها من الطفولة إلى النضج الأنثوي، وتعلن استعدادها للمسؤوليات والمهمات الجديدة[4].
إن حاجة الطالبة إلى الاستقلال وتأكيد الذات تتأثر كثيرا بحاجة أخرى وهي حاجتها للإنجاز والنجاح في حياتها وأعمالها، حيث يكون التأثر بين الحاجتين متبادلا وطرديا، فكلما أثبتت الفتاة استقلالها وقدرتها في تحمل مسؤولياتها واتخاذ قراراتها؛ كلما دفعها هذا للنجاح والإنجاز أكثر، أما إذا لم تشبع الفتاة هذه الحاجة فإن هذا سيؤدي بها إلى الإخفاق والفشل، لأن النجاح يؤدي إلى النجاح، والفشل يؤدي إلى زيادة الإخفاق والفشل.
3)) الحاجة إلى الزواج:
يمثل الزواج للمرأة حاجة فطرية أصيلة في عمق كيانها الأنثوي، تحقق لها الاستقرار النفسي، كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13] [5]، وطريقة إشباع هذه الحاجة يرتبط بشكل كبير بالقيم الدينية والعادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، وقد أثبتت بعض الدراسات الميدانية أن الدين وحسن الخلق وطاعة الزوج والتمسك بالتقاليد المتعارف عليها، من أهم صفات الفتيات المرغبِّة للشباب في الزواج منهنّ[6].
وهذه الحاجة تُشبع من خلالها أربع حاجات مترابطة متداخلة هي: الحاجة إلى السكن النفسي بالزواج والشعور بالمودة والرحمة، والحاجة إلى الشعور بالنوع وتحقيقه حيث تشعر الفتاة بأنوثتها وبما تحمله من مظاهر جمال ورقة ونعومة، والحاجة إلى الإشباع الغريزي حيث إن الزواج يحقق (تحصين الشباب من الجنسين، ووقايتهم من شرور غريزة الجنس وهيجانها، ووقايتهم من الفتن التي جدت واستحدثت أساليبها عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ من قنوات مسموعة ومرئية ومقروءة وغيرها، حتى قلّ من يسلم من آثار هذا التفاعل الإعلامي الواسع المدى، وحتى غدت هذه الفتنة جزءا أساسيا من حياة كثير من الشباب المسلم، إلى درجة أن كثيرا من صغار الشباب يدركون من أسرار النكاح ودقائقه ما لم يدركه شباب الجيل الماضي إلا بعد تطاول العمر وتقدم السنين)[7].
وكذلك يُشبع الحاجة إلى تحقيق التكامل بالزواج، حيث إن شعور المرأة والرجل لا يكمله إلا الزواج، وهذا أمر فطري وسنة نفسية تكمن في أصل تكوين الإنسان[8].
4)) الحاجة إلى الرفقة:
إن الحاجة إلى الرفقة أمر لا ينفك عنه تاريخ الإنسان لأنه اجتماعي بطبعه، والتعارف بين الناس يحقق مصالح عظيمة، قال تعالى: ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾[9]، وقد حث الإسلام على إشباع هذه الحاجة وضبطها بالصحبة الصالحة المؤثرة إيجابيا في المجتمع، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))[10].
إن حاجة الطالبة إلى تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية غنية ناجحة مع رفاق سنها؛ له أثر كبير في حياتها النفسية والاجتماعية والثقافية، وتشير الدراسات إلى أن المدرسة والرفقة والجماعات خارج المدرسة تعتبران من أكثر المصادر إشباعا لحاجة الطالبات النفسية - إلى جانب الأسرة والعبادات -[11]، لذلك باتت هذه الصداقات والعلاقات ضرورية لتحقق تكيف الفتاة النفسي ونموها الاجتماعي الصحيح.
أما عدم تلبية وإشباع هذه الحاجة فإنه يؤدي إلى انطواء الفتاة على نفسها، وشعورها بالعزلة والقلق وعدم الأمن، لأن (الرفقة مطلب نفسي لا يستغني عنه الإنسان، وخصوصا في مرحلة المراهقة، وبوجود الرفقة المنسجمة يتم قضاء الأوقات وتبادل الآراء والخبرات، وبث الآمال والتشارك في الأحاسيس والمشاعر، وتقوم الرفقة في كثير من الأحيان بإعطاء الرأي وبلورة الفكر ووضع الخطة وتنفيذها، فهي ليست محضن شعوري ونفسي فقط؛ بل هي أيضا ذات بعد عملي وتنفيذي في حياة الشباب)[12].
ومما يزيد من أثر الرفقة على الطالبة الترابط القوي بين أفرادها وما تتميز به من حرية اختيار الرفيقات وانتقاء الصديقات حسب الرغبة والميول، كما تتميز - غالباً - بالانسجام والتشابه في الطبائع والأحاسيس والاتجاهات، والتقارب في العمر والخبرات المكتسبة.
تعليقات
إرسال تعليق